الثلاثاء، 21 يناير 2014

فُصام إعلامي



هي كالزبد ظهرت فجأة من العدم لتعكر صفو الحقيقة. مؤسسات إعلامية غزت الفضاء الإلكتروني، وإعلاناتها ملأت صفحة فيسبوك الرئيسية، وغدت مصادر لتزييف الوقائع وتضليل الرأي العام العربي، بأسلوب بعيد كل البعد عن أبسط مبادئ المهنية، ولا أقول هنا الحياد، لأنه غاية لم ولن تطال، إلا في حالات استثنائية نادرة.

هذه المواقع والصحف الطارئة هي على الغالب مموّلة خليجياً، وتحديداً من السعودية (وليس بالضرورة رسمياً)، وهي تروّج باستماتة للسياسات السعودية الخارجية، وكانت ذروة ظهورها عشية الانقلاب العسكري على الرئيس المصري محمد مرسي.

بعد أن حاولت رصد محتوى عدد من هذه المواقع، لم أتمكن من تحديد خط سياسي واضح لأي منها، فتارة تراها تهاجم نظاماً أو رئيساً، وتارة أخرى تدعمه وتمجّده وتشيد بقراراته، ففي العراق على سبيل المثال، تهاجم المالكي وسياساته وارتباطه بإيران، وتدين جرائمه ومجازره في الأنبار والفلوجة، ومن دون سابق إنذار، تعلن دعها الكامل "لحربه على الإرهاب وجهوده لطرد 
عناصر القاعدة وداعش من الأنبار"، وكذلك الأمر في سورية ومع نظام الأسد.

الميزة المشتركة لهذه الوسائل الإعلامية هي مهاجمة كل ما له علاقة بالإخوان وكل ما مر صوبهم، ففي مصر، احتفت بالانقلاب على الرئيس المنتخب وما صاحبه من تغييرات طرأت على البلد بفعل عودة العسكر للحكم، ولم تكتف بذلك، بل عملت عملاً أشبه بترويج للسيسي كرئيس قادم لمصر وقائد للعروبة ومنقذ للأمة، وتفانت في عملها هذا أكثر من وسائل الإعلام الرسمي المصرية.

وترفض معظم هذه المواقع إطلاق مسمى "ثورة" على 25 يناير، بينما تجعل من 30 يونيو بداية للتحرر من العبودية وسطوعاً لفجر الحق، وكذلك الأمر في تونس، حيث تصوّر هذه الوسائل الثورة التونسية على أنها حراك هزيل ومؤامرة غربية حيكت ضد البلد، بينما تعتبر الاحتجاجات ضد حكومة حزب النهضة الإخواني هي الثورة الوحيدة، وفي تركيا تهاجم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية وتنقض على إنجازاته وتنكرها.

الأمر اللافت في هذه المواقع هو أنها وبرغم ما يعرف عن دول الخليج الست من ترابط دبلوماسي وسياسي، إلا أن هذه الوسائل ومع تمويلها السعودي تقود حرباً إعلامية ضد قطر وسياساتها الخارجية ونقطة قوّتها، قناة الجزيرة، وتهاجم أميرها بشكل مباشر واصفة سياسات نظامه الخارجية وخصوصاً تجاه مصر بالتدخل السافر، بينما تبارك وتعظّم التدخلات الأخرى التي موّلت إعادة مصر إلى عصر فرعوني عسكري جديد. 

ولم تسلم دول أخرى كثيرة من الهجوم الذي تشنّه هذه المواقع في سبيل الدفاع عن توجهات وزارة الخارجية السعودية، كالسودان وليبيا والجزائر وجنوب السودان، وحتى تايلاند لم تسلم منها، ولكن ما يثير الاشمئزاز في هذه الوسائل الإعلامية، هو هجومها الممنهج على (حماس) الذي وصل إلى حد تحريض الجيش المصري على التدخل العسكري ضدها في غزة!

لست هنا بصدد الدفاع عن طرف دون آخر، ولا أدعي الحياد، كما أبرر استخدام الوسيلة الإعلامية في سبيل تحقيق أهداف سياسية، لكني لا أرى أي مبرر للهجوم المباشر على الجماعات والأشخاص والتحريض والتجييش وإثارة النعرات في سبيل تحقيق هذه الأهداف، وأرى ضرورة في التوعية بخطورة الجهات الإعلامية الممارسة لكل ذلك.

الحرب الإعلامية الدائرة في العالم العربي هي صراع بين دول المال لتطبيق أجنداتها في الدول المأزومة، الرابحون فيها هم أدوات هذه الدول ومعاونيها في بلادهم المنكوبة، بينما لم يربح شعب يوماً.