الاثنين، 17 مارس 2014

دعاية وهميّة في 10 ثوانٍ

تخرج علينا "سرايا" كل فينة وأخرى بمواد صحفية نرجسية تتباهى بإنجازات اختلقها القائمون على الموقع وتغنّوا بها، كانت آخرها ما نشر اليوم بعنوان: " موقع عالمي متخصص يصنف "سرايا " كأغلى موقع إخباري بواقع 2.5 مليون دولار"

وأكتب هنا تعليقاً على فقرات هذه المادة، كلٌ على حدى، مع إغفال للأخطاء النحوية والإملائية التي وردت.


"سرايا – سميح العجارمة –"

يبدو أن الصحفي المذكور يقضي ساعات دوامه في المكاتب ذات الديكورات الأشبه بديكورات صالون الحلاقة، والتي تعمد استعراضها في مادة صحفية سابقة.. المهم، يقضي ساعات دوامه في البحث عن "نكشات" مثل هذه تبيض صورته وترفع من أسهمه لدى مالك الموقع.


" صنف موقع Domain value'' العالمي وكالة سرايا الإخبارية كأغلى موقع إخباري أردني بواقع 2.501.400 دولار"

أولاً، اسم الموقع ليس كما ذكره الكاتب.
ثم لا يمكن لهذا الموقع أن يكون دقيقاً، ولا يمكن بأي طريقة كهذه حساب القيمة المالية لأي موقع وفي 10 ثوانٍ فقط بأسلوب أوتوماتيكي كهذا، فالقيمة المالية للموقع تحدّد عن طريق شركات مختصة تأخذ في حسبتها بالكثير من المعايير العلمية، منها الجدوى الاقتصادية للموقع، وقدرته على جذب المعلنين من خلال استبيان علمي مناسب، ومنها كذلك مصداقيته لدى فئته المستهدفة، ورأي القراء بالتصميم ، ومواصفاته الفنية، إلى جانب نوعية محتواه، ونسبة المحتوى الأصلي غير المنقول عن مصادر أخرى، إضافة إلى المزيد من المعايير الأخرى.

" ، بينما تم تقييم قيمة الموقع الإخباري التالي لـ 'سرايا' مباشرة في الأردن بـ 305 آلاف دولار فقط ."

إلى الحد الذي وصلت إليه من بحث في هذا الموقع، لم أجد أي طريقة لترتيب المواقع فيه حسب البلد وفق قيمتها، فمن أين أتى الكاتب بهذا الاستنتاج؟

"ويمكن للراغب بمعرفة تقييم موقع Domain value  العالمي لأي موقع الكتروني أردني او غير اردني أن يدخل على الرابط التالي :
وسيجد  مستطيل مخصص لوضع رابط لموقع الذي يراد معرفة قيمته المالية، وبعدها الضغط علىEnter web site )  والانتظار 10 ثوني لتظهر القيمة المادية لذلك الموقع الألكتروني."

هنا، انتقل الكاتب من الحديث عن إنجازات مؤسسته إلى توجيه تعليمات تقنية يعرفها أي مستخدم للإنترنت في الكرة الأرضية، فالموقع الذي يسمى Congland  سهل الاستخدام إلى حد كبير.

"ونشير هنا إلى أن هذا الموقع العالمي يعتمد معادلة علمية يطبقها على جميع المواقع لمعرفة قيمتها المالية، وأهم الأسس في التقييم هو عدد الزائرين للموقع يومياً، بالإضافة لقوة ما يطرحه الموقع من أخبار، ومدى تفاعل الناس معه، والأهم مدى التفاعل السياسي والاجتماعي للموقع الإخباري مع القضايا المطروحة في المجتمع وقدرته على التأثير بالرأي العام."

لن أتحدث عن عدد الزوار، ولا عن "قوة ما يطرحه من أخبار"، ولا حتى عن "مدى تفاعل الناس معه"، ولكني سأسهب في "مدى التفاعل السياسي والاجتماعي للموقع الإخباري مع القضايا المطروحة في المجتمع وقدرته على التأثير بالرأي العام".. هل هذا استخفاف بعقل القارئ؟ أم هو مجرد حشو لزيادة عدد كلمات المادة الصحفية؟
كيف لموقع كهذا، ومقره ليس الأردن، أن يرصد مدى التفاعل السياسي لموقع "سرايا" في المجتمع الأردني؟ هل مثلاً يوظّف عدداً من المحللين السياسيين المختصين في الشأن الأردني يقومون بحساب مدى تأثير "سرايا" في الحياة السياسية الأردنية؟ وهل لدى الموقع فريق متخصص يجري استبيانات علمية تحسب قدرة "سرايا" على التأثير في الرأي العام، في عشر ثوانٍ فقط؟

"ونحن إذ ننشر هذا التصنيف لـ 'سرايا' نؤكد أن قيمتنا الحقيقية لم تكن ولن تكون يوماً تقاس بالمال لأننا باختصار ' لسنا للبيع ' ، فقيمتنا الفعلية وكنزنا الحقيقي يتمثل بثقة الأردنيين والعرب المتابعين والمحبين لـ 'سرايا' ، فكل متابع لنا هو إنجازنا الحقيقي التي نرفض أن يقاس بالدينار أو الدولار، فـ 'سرايا' ملك لكل أردني وطني مخلص."

كقارئ عادي، يمكن أن تصل لي من الفقرة السابقة إحدى هذه المعاني الثلاث:
1-             هي حرب كلامية من طرف واحد تخوضها "سرايا" مع منافسها في ساحة المواقع الإلكترونية الأردنية.
2-             يريد الكاتب إيصال رسالة لشخص أو جهة حاولت شراء الموقع، لكن الصفقة لم تتم نظراً لعدم الاتفاق مع القائمين على "سرايا" على المبلغ المطلوب لقاءه.
3-             هي نرجسية عالية لدى الموقع والعاملين فيه، دفعت بالكاتب للظن بأن "سرايا" هي ضمير المواطن الأردني ومنبره الوحيد.

"ونذكر هنا أن المراكز العالمية المتخصصة بتصنيف المواقع الالكترونية في العالم واصلت التأكيد من خلال تقاريرها الدورية وإحصائياتها على أن 'سرايا' في قمة هرم المواقع الإخبارية في الأردن، ومنافس قوي للكثير من المواقع العالمية."

تعتمد "سرايا" على استقاء أغلبية محتواها من مصادر أخرى، فمثلاً، تعتمد على مواقع الصحف اليومية مثل الرأي والغد والدستور والعرب اليوم في الأخبار المحلية، إلى جانب مواقع إلكترونية أخرى مثل عمّون وخبّرني، وفي الشأن العربي والدولي على العربية والجزيرة وسكاي نيوز والصحف العربية، كما تجلب محتواها الترفيهي والمنوّع الجاذب للقراء من مواقع عربية أخرى، منها إيلاف ومحيط واليوم السابع. ويمكن للمتابع أن يلاحظ بسهولة شبه الانعدام للمحتوى الأصلي، فكيف رفع الكاتب "سرايا" إلى قمّة الهرم؟

"وتفتخر 'سرايا' بأنها في المقدمة ورقم ( 1 ) في الأردن رغم اختلاف الأسس والمعايير المعتمدة من مركز دولي لآخر من المراكز المتخصصة بتصنيف المواقع الالكترونية مثل  ( effective measure  ) و جوجل، وبطبيعة الحال 'سرايا' لا زالت تحافظ على الموقع الأول في( إليكسا )."

سأتحدث هنا فقط عنGoogle Analytics  الذي ذكره الكاتب، حيث لا توجد فيه أي طريقة لمعرفة ترتيب المواقع حسب البلد، حيث أنه يعمل على استصدار تقارير تظهر عدد زوار الموقع لأصحابه فقط، ولا يستطيع أي شخص معرفة عدد زوّار موقع إلا إذا كان من مبرمجيه، فكيف يضع الكاتب Google Analytics في خانة المواقع التي تعنى بالتصنيفات والترتيبات على غرار Alexa و Effective Measure؟

"ويأتي هذا التصنيف لـ 'سرايا' وتقييمها كأغلى موقع أردني كقيمة مادية متناغماً مع سلسلة التصنيفات الأخرى التي ذكرناها الصادرة مؤخراً، والتي تحظى بثقة عالمية ، لتحصد 'سرايا' ما زرعته من مهنية والتزام غير محدود بقضايا الوطن والمواطن."

لا أشكك هنا بصدقيّة الحديث عن تصدّر "سرايا" للمواقع الإلكترونية في عدد الزوار، ولكن هذا المعيار ليس كافياً للتبجّح "بتربّع سرايا على عرش المواقع الإخبارية الأردنية"، ولا يجب إغفال معايير كالمهنية والمصداقية ونوعية المحتوى ومصادره.



الثلاثاء، 21 يناير 2014

فُصام إعلامي



هي كالزبد ظهرت فجأة من العدم لتعكر صفو الحقيقة. مؤسسات إعلامية غزت الفضاء الإلكتروني، وإعلاناتها ملأت صفحة فيسبوك الرئيسية، وغدت مصادر لتزييف الوقائع وتضليل الرأي العام العربي، بأسلوب بعيد كل البعد عن أبسط مبادئ المهنية، ولا أقول هنا الحياد، لأنه غاية لم ولن تطال، إلا في حالات استثنائية نادرة.

هذه المواقع والصحف الطارئة هي على الغالب مموّلة خليجياً، وتحديداً من السعودية (وليس بالضرورة رسمياً)، وهي تروّج باستماتة للسياسات السعودية الخارجية، وكانت ذروة ظهورها عشية الانقلاب العسكري على الرئيس المصري محمد مرسي.

بعد أن حاولت رصد محتوى عدد من هذه المواقع، لم أتمكن من تحديد خط سياسي واضح لأي منها، فتارة تراها تهاجم نظاماً أو رئيساً، وتارة أخرى تدعمه وتمجّده وتشيد بقراراته، ففي العراق على سبيل المثال، تهاجم المالكي وسياساته وارتباطه بإيران، وتدين جرائمه ومجازره في الأنبار والفلوجة، ومن دون سابق إنذار، تعلن دعها الكامل "لحربه على الإرهاب وجهوده لطرد 
عناصر القاعدة وداعش من الأنبار"، وكذلك الأمر في سورية ومع نظام الأسد.

الميزة المشتركة لهذه الوسائل الإعلامية هي مهاجمة كل ما له علاقة بالإخوان وكل ما مر صوبهم، ففي مصر، احتفت بالانقلاب على الرئيس المنتخب وما صاحبه من تغييرات طرأت على البلد بفعل عودة العسكر للحكم، ولم تكتف بذلك، بل عملت عملاً أشبه بترويج للسيسي كرئيس قادم لمصر وقائد للعروبة ومنقذ للأمة، وتفانت في عملها هذا أكثر من وسائل الإعلام الرسمي المصرية.

وترفض معظم هذه المواقع إطلاق مسمى "ثورة" على 25 يناير، بينما تجعل من 30 يونيو بداية للتحرر من العبودية وسطوعاً لفجر الحق، وكذلك الأمر في تونس، حيث تصوّر هذه الوسائل الثورة التونسية على أنها حراك هزيل ومؤامرة غربية حيكت ضد البلد، بينما تعتبر الاحتجاجات ضد حكومة حزب النهضة الإخواني هي الثورة الوحيدة، وفي تركيا تهاجم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية وتنقض على إنجازاته وتنكرها.

الأمر اللافت في هذه المواقع هو أنها وبرغم ما يعرف عن دول الخليج الست من ترابط دبلوماسي وسياسي، إلا أن هذه الوسائل ومع تمويلها السعودي تقود حرباً إعلامية ضد قطر وسياساتها الخارجية ونقطة قوّتها، قناة الجزيرة، وتهاجم أميرها بشكل مباشر واصفة سياسات نظامه الخارجية وخصوصاً تجاه مصر بالتدخل السافر، بينما تبارك وتعظّم التدخلات الأخرى التي موّلت إعادة مصر إلى عصر فرعوني عسكري جديد. 

ولم تسلم دول أخرى كثيرة من الهجوم الذي تشنّه هذه المواقع في سبيل الدفاع عن توجهات وزارة الخارجية السعودية، كالسودان وليبيا والجزائر وجنوب السودان، وحتى تايلاند لم تسلم منها، ولكن ما يثير الاشمئزاز في هذه الوسائل الإعلامية، هو هجومها الممنهج على (حماس) الذي وصل إلى حد تحريض الجيش المصري على التدخل العسكري ضدها في غزة!

لست هنا بصدد الدفاع عن طرف دون آخر، ولا أدعي الحياد، كما أبرر استخدام الوسيلة الإعلامية في سبيل تحقيق أهداف سياسية، لكني لا أرى أي مبرر للهجوم المباشر على الجماعات والأشخاص والتحريض والتجييش وإثارة النعرات في سبيل تحقيق هذه الأهداف، وأرى ضرورة في التوعية بخطورة الجهات الإعلامية الممارسة لكل ذلك.

الحرب الإعلامية الدائرة في العالم العربي هي صراع بين دول المال لتطبيق أجنداتها في الدول المأزومة، الرابحون فيها هم أدوات هذه الدول ومعاونيها في بلادهم المنكوبة، بينما لم يربح شعب يوماً.